المتمردون يرتهنون
اليمن!
نجح الحوثيون ـ
وهم جماعة شيعية متمردة يعرف عنها معارضة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ـ في تدبير
انقلاب بموافقة ضمنية من الجيش. لكن هل سيتمكنون من الحكم بعد أن استولوا على السلطة؟
....................................................
اتخذ انتقال اليمن
فيما بعد "الربيع العربي" منعطفاً جديداً وحاداً يوم الاثنين، حين قام الحوثيون
ـ الجماعة المتمردة المهمشة فيما مضى، من الشيعة الزيدية من شمال اليمن، والتي تفضل
تسميتها بـ"أنصار الله" ـ بتدبير انقلاب ناجح على ما يبدو بعد شهور من التخطيط
الحريص. فأحاط مقاتلوها بالقصر الرئاسي بغير إراقة تذكر للدماء، وبعد عقد التحالفات
لضمان ألا يسارع الجيش إلى مساعدة الرئيس عبد ربه منصور هادي، اضطر الأخير لمغادرة
القصر.
وفي يوم الثلاثاء
ألقى زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، خطبة على التلفاز لم تدع مجالاً للشك في أن السلطة
الآن بيد أنصار الله. لقد خطط الجناح العسكري لأنصار الله تحركه الأخير بعناية، بدءاً
بزحفه على العاصمة صنعاء، في 17 سبتمبر/أيلول. وأرغم انتصاره حكومة هادي على قبول اتفاقية
سلام، قام أنصار الله بتجاهل بنودها الرئيسية فيما بعد، مع الاحتفاظ بنقاط تفتيش عسكرية
في أرجاء العاصمة، ونشر المقاتلين أمام مكاتب الحكومة، والتدخل المباشر في بعض الأحيان
في الإدارة الحكومية.
وبعد مداهمة أنصار
الله للقصر الرئاسي، حاولت بعض الأطراف السياسية إقناع هادي بالإعلان الرسمي عن نقل
السلطة إلى رئيس البرلمان المقرب من الرئيس السابق علي عبد الله صالح ـ لكن هادي رفض.
وتجمع التحليلات على أن صالح ـ الذي أخلفه هادي في فبراير/شباط 2012 بعد ما يقرب من
العام من المظاهرات المعارضة للحكومة ـ كان اللاعب الأساسي في منع الجيش من مقاومة
انقلاب أنصار الله.
ثم أصدر الرئيس
هادي بياناً يوم الخميس يُظهر فيه أنه ما زال واجهة الحكومة، لكنه رضخ لمطالب أنصار
الله كلها. وتتفق الروايات على سعادة الجماعة باستبقائه على رأس الحكم كعنوان للشرعية.
لكن الأدلة قليلة على تأييد هادي سواء داخل البلاد أو على الصعيد الدولي، اللهم بخلاف
تصريح صدر يوم الثلاثاء عن مجلس الأمن الأممي. وينظر إليه كثير من اليمنيين على أنه
أسلم مفاتيح المدينة لأنصار الله حينما زحفت قواتهم على صنعاء في سبتمبر/أيلول الماضي،
بينما أصيب العديد من الدبلوماسيين الأجانب بالإحباط من أسلوبه في تولي الأمور في الشهور
الأخيرة، وإخفاقه في اتخاذ إجراءات حاسمة عند الحاجة إليها.
أما الإسلاميون
المرتبطون بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب المتمركز في اليمن، والذين يعارضون مكاسب
أنصار الله في السلطة بشدة، فقد ضعفوا كثيراً منذ سبتمبر/أيلول، وليس بيدهم أن يفعلوا
الكثير لمقاومة تقدم الحوثيين.
والسؤال الذي يشغل
أذهان الجميع هو، "ماذا بعد؟" هل تتمتع جماعة "أنصار الله" بما
يكفي من الموارد والقدرات لحكم اليمن؟ ويضاف إلى هذا سؤال آخر: هل يدرك أنصار الله
تمام الإدراك الالتزامات الحقوقية التي أخذوها على عاتقهم حين تولوا السلطة؟
ويبدو أن الجماعة
في عملياتها العسكرية الأخيرة حاولت تجنب الخسائر المدنية، في سبتمبر/أيلول ويوم الاثنين
على السواء، عندما توفي 3 من المدنيين وجرح 29 بحسب وزارة الصحة. ومع ذلك فقد أخفقت
أنصار الله في احترام التزامات هامة أخرى، مثل حظر تجنيد الأطفال. لقد شاهدت يوم الثلاثاء
أربعة صبية يبدو أن أعمارهم تتراوح بين 12 و15 عاماً يحملون بنادق الكلاشنيكوف
"إيه كيه 47" وعليها ملصقات الحوثيين ـ ويساعدون في إدارة اثنتين من نقاط
تفتيش أنصار الله.
ومنذ سبتمبر/أيلول
توحي التقارير بأن أنصار الله تستغل مقرات غير رسمية مختلفة لاحتجاز الأشخاص الذين
اعتقلتهم. وقد قال لي صحفي إن قوات أنصار الله اختطفته في ديسمبر/كانون الأول واحتجزته
لمدة 3 أيام في زنزانة، تم فيها عصب عينيه، وركله، ومنعه من استخدام الحمام أو تناول
الطعام سوى مرة واحدة في اليوم، على ما يبدو بسبب أعمال قام بها في توثيق الأراضي التي
اكتسبتها القاعدة في جزيرة العرب.
كما أجريت مقابلة
مع محام حقوقي قال إن مسلحين من أنصار الله أرغموه على ركوب سيارة في ديسمبر/كانون
الأول بعد تورطه في نزاع بين بعض القادة الدينيين في مسجد. وقال إن خاطفيه احتجزوه
لمدة 6 أيام، قضى الأربعة الأولى منها في حجرة مظلمة ليس بها سوى حشية وغطائين، ومن
الصغر بحيث لم يكن يستطيع الوقوف. وقال رجل آخر بنفس الحجرة إنه احتجز بها لمدة 23
يوماً لقيامه ببيع السلاح، على حد قول المحامي.
وهاتان حالتان
لا غير من حالات عديدة مزعومة تتعلق بانتهاكات حقوقية على أيدي أنصار الله مما تلقته
هيومن رايتس ووتش منذ سبتمبر/أيلول. لكنها تلقي الضوء على بواعث قلق اعترف بها أعضاء
الجناح السياسي لأنصار الله أنفسهم في اجتماعات مغلقة مع قيادات أحزاب اليمن الأخرى
ـ أنهم ببساطة غير مستعدين للمسؤوليات التي اضطرهم الجناح العسكري لتحملها.
لكن مع اعتلاء
أنصار الله لسدة الحكم في صنعاء، يتعين على قادتها أن يدركوا أن العالم سيحاسبهم الآن
على أي إخفاق في حماية واحترام حقوق الإنسان، مثلهم مثل أية سلطة أخرى. وعليهم أن يعتنقوا
تلك المسؤوليات، ويبرهنوا على التزامهم باحترام حقوق اليمنيين جميعاً.
بلقيس
ويلي باحثة بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش.
المقال نُشر في تاريخ
22يناير/كانون الثاني 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق