صحيفة هآرتس: هكذا ساعدت إسرائيل الحوثيين
في اليمن
الإمام الزيدي محمد البدر |
صنعاء /متابعات:
كيف تدخلت إسرائيل
عام 1964 في حرب اليمن؟ ونزولا على رغبة من؟ ولماذا لم يخبر البريطانيون الملك السعودي
فيصل بتزويد الطائرات الإسرائيلية الملكيين أتباع الإمام الزيدي محمد بدر بالسلاح(
يسمون اليوم بالحوثيين)؟ وما هي الأسباب التي دفعت تل أبيب للمشاركة في حرب لا ناقة
فيها ولا جمل؟ أهو الخوف من عبد الناصر الذي رأى فيه الإسرائيليون نموذجا لأدولف هتلر
عربي؟.
كانت هذه بعض الأسئلة التي جاوب عنها "يوجيف
الباز" الباحث الإسرائيلي في الصراعات الإقليمية بالجامعة العبرية بالقدس، في
دراسة نشرتها صحيفة" هآرتس".
إلى نص الدراسة:
كنا شهودا على تصاعد الحرب الداخلية في اليمن.
فقط في الأسبوع الماضي تحدثت تقارير عن تحالف عربي برئاسة السعودية بدأ في قصف معاقل
المتمردين الحوثيين، معارضي النظام اليمني المركزي. لم يكتف السعوديون بذلك، وأعلنوا
عن نيتهم خوض حرب برية.
جاءت هذه الخطوات الدراماتيكية في أعقاب سلسلة
عمليات الاحتلال المذهلة للحوثيين، وفرار الرئيس عبد ربه منصور هادي من البلاد. ويحظى
تحالف القبائل الزيدية ( فرع هامشي نسبيا لدى الشيعة. يتركز أتباعه تحديدا في شمال
اليمن) الذي يكنى باسم زعيمهم السابق بدر الدين الحوثي الذي قاد انقلاب فاشل في
2004 وتم تصفيته من قبل النظام- بتأييد جزء ملحوظ من الجيش اليمني ( الموالي للرئيس
السابق على عبد الله صالح)، وبدعم إيراني، من غير الواضح مداه وماهيته.
هذه
ليست المرة الأولى التي تتحول فيها حرب أهلية في اليمن، الدولة الهامشية بالشرق الأوسط
التي تعد واحدة من أفقر وأضعف دول العالم- إلى بؤرة لمواجهة واسعة للغاية. فمنذ خمسين
عاما تقريبا أدى صراع دام مثل هذا لتغيرات بعيدة المدى في ميزان القوة الإقليمية، وأدى،
بشكل غير مباشر، لحرب الأيام الستة ( يونيو 67) .
في الأعوام الماضية، ومع فتح الأرشيف، تم الكشف
عن تدخل عسكري إسرائيلي في الحرب الأهلية اليمنية. هذا التدخل يسلط الضوء مجددا على
ما يميل العديد من المعلقين إلى توصيفه بالصراع العام الذي لا يمكن منعه بين السنة
والشيعة أو بين السعودية وإيران.
في
26 سبتمبر 1962 نفذت خلية عسكرية انقلاب ضد نظام الإمام الزيدي محمد بدر، الذي كان
قد خلف قبل أسبوع عرش والده الراحل. قصف المتآمرون قصر الإمام وسيطروا على المحطة الإذاعية
وأعلنوا إقامة " جمهورية اليمن العربية". لكن في منتصف أكتوبر اتضح أنه رغم
بيانات المتآمرين حول موت الإمام الشاب، فإن الخير تمكن من الفرار لشمال البلاد، وجمع
حوله جيش القبائل الموالين له، وهدد وجود الإمبراطورية النامية.
أدرك
المتمردون أنه لن يقدروا على التصدي للملكيين بقوتهم الذاتية، فتوجهوا لجمال عبد الناصر،
الرئيس الكاريزمي المصري، بطلب المساعدة. ناصر الذي سعى في تلك السنوات لتوحيد العالم
العربي تحت قيادة بلاده، وشج الانقلابات العسكرية ضد الأنظمة الملكية العربية، أرسل
عدد من كتائب المشاة المختارة لليمن. أثار التدخل المصري في اليمن مخاوف قوية لدى الدول
العربية المحافظة كالسعودية، والأردن ودول غربية لها مصالح في المنطقة، وعلى الأخص
بريطانيا، التي كانت تحكم عدن وما حولها.
تركزت المخاوف حول انتشار الناصريين في كل الدول
العربية. لذلك قرر الثلاثة دعم الإمام. وفي حين ساعدت السعودية والأردن الجيش الزيدي
بالإمدادات والتمويل المادي، بشكل واضح نسبيا، تعمد البريطانيون اتباع سياسات يشوبها
الغموض وتم تكليف جهاز الاستخبارات البريطاني MI6 ليكون على اتصال بشكل سري مع الملكيين.
قرر هذا الجهاز استخدام خدمات
شركات مرتزقة يملكها الكولونيل ديفيد سترلينج، مؤسس القوات الجوية الخاصة Special
Air Service وذلك حتى يستطيع بريطانيا الرسمية
نفي أي تدخل. جند سترلينج للعملية العشرات من خريجي وحدته، وتم إرسالهم لليمن في شكل
مستشارين لقوات الإمام بدر. عضو البرلمان البريطاني، نيل ماكلين، بصفته خريج الاستخبارات
البريطانية، خدم كـ"وزير خارجية" للمرتزقة.
التدخل البريطاني أدى إلى تساوي ميزان القوى،
الذي مال في البداية لصالح المصريين والمتمردين. مصر ذهبت وتورطت، عززت مرات ومرات
ما أرسلته من قوات ( وصلت إلى نحو 60 ألف جندي نحو ثلث الجيش المصري آنذاك)، وحاولت
حسم المعركة- لكن دون جدوى.
في مارس 1963 توقف المصريون المنهكون عن شن هجماتهم.
وبدأ بشكل تدريجي جمود عسكري في البلاد، حيث تحصن كل جانب بمواقعه: سيطر المصريون على
الجزء الجنوبي لليمن، بينما سيطر الملكيون على الشمال. لكن كان للمصريين ميزة واضحة-
حيث كان مؤيدو الإمام يقيمون في مناطق جبلية، دون أي مخرج للبحر.
في بداية
المواجهة نجحت السعودية في نقل العتاد للملكيين عبر طرق الجمال، لكن لم يكن ذلك كافيا.
فمع طول فترة الحرب،والخوف الدائم من قطعها، بحث الملكيون عن طرق جديدة لنقل الإمدادات
وتوسيعها، وفي النهاية فكر المرتزقة في حل يتمثل في الإمداد على شكل إمداد جوي.
لكن
لم يكن بإمكان سلاح الطيران الملكي تنفيذ ذلك بشكل مباشر، في أعقاب تصريحات السياسيين
البريطانيين بعدم التورط في الحرب. بعد مباحثات عقيمة حول مسألة الإنزال الجوي هذه
من قبل زعماء الدول المعتدلة في المنطقة ( الذين تخوفوا من عملية عقاب مصري)- توجه
البريطانيون لإسرائيل.
دولة إسرائيل، التي كانت في تلك السنوات معزولة
نسبيا، وتتعرض للتهديد من قبل جيرانها،ردت بالموافقة. سلسلة الأحداث على مدى نهاية
سنوات الخمسينيات وبداية الستينيات- اتحاد مصر وسوريا في كيان واحد تابع لعبد الناصر،
والانقلاب العسكري بالعراق، التي تم خلاله إعدام ممثلي النظام الموالي للغرب، والذي
بدا وكأنه أدير من القاهرة، ومحاولة الانقلاب في الأردن، بدعم استخباري مصري، وتشغيل
خبراء ألمان، بعضهم نازيون سابقون في مصر (
بالأخص لتصنيع سلاح طويل المدى وطائرات
مقاتلة محلية) والتدخل العسكري في اليمن، الذي استخدم المصريون خلاله غاز الخردل ضد
اليمنيين- أظهرت عبد الناصر على أنه أخطر زعيم في المنطقة.
الخوف الفطري، من أن يوحد زعيم عربي ملايين العرب
ضد الأقلية اليهودية، برز وتزايد من جديد. هذا الخوف اندمج للمخاوف العميقة من قبل
إسرائيل الفتية من حدوث محرقة ثانية. تشغيل الخبراء الألمان واستخدام مصر الغاز، أدت
إلى رسم صورة لعبد الناصر على أنه الشيطان المطلق، الخليفة العربي لأدولف هتلر. قررت
إسرائيل الإضرار بمصر كلما استطاعت ذلك.
في صيف 1963، اتصل ماكلين بالملحق العسكري الإسرائيلي
في لندن، العميد دان حيرم، وناقش معه مسألة مساعدة إسرائيل الإمام. حيرم نقل الطلب
الغريب من نوعه، عبر القنوات المعتادة، وبعد أيام قليلة وصل ماكين إلى تل أبيب للقاء
موشيه دايان، الذي ورغم كونه آنذاك وزيرا للزراعة، إلا أنه كان يملك صلاحيات ويتخذ
خطوات في المجال الأمني، ومئير عميت، رئيس الموساد. أعطت إسرائيل موافقة مبدئية، وخلال
خريف 1963 تزايدت الاتصالات بين الجانبين، وبدأت الخطة العملية تتبلور. العملية التي
اطلق عليها في الجيش الإسرائيلي " عملية الصلصة" ( وبعد ذلك "عملية
دربان") بدأت تدخل حيز التنفيذ.
في
31 مارس 1964، وفي عمق الظلام، اخترقت طائرة نقل إسرائيلية سماء اليمن. قاد الطاقم
الجوي برئاسة الطيار المقدم آريا عوز الطائرة إلى شمال البلاد، بين معسكرات الجيش المصري.
بعد عدة لحظات لاحظ عوز في الأسفل عدد من الأضواء الصغيرة، وأشعل الضوء الأخضر في بطن
الطائرة، بدأت عملية الإنزال. حاويات خشبية محملة بالأسلحة والذخيرة والمواد الطبية
بدأ إنزالها ببطء على الأرض. نجاح الإنزال عزز الثقة بين الجانبين. نتيجة لذلك، وعلى
مدى العامين القادمتين أطلقت إسرائيل 13 طلعة جوية لليمن لتزويد الملكيين بالإمدادات.
ولكن نظرا لحساسية الأمر كان لزاما على إسرائيل الحفاظ على أقصى درجات السرية: وباستثناء
عدد قليل من قيادة الملكيين، لم يعرف الباقون من هي الدولة التي تزودهم بالإمدادات،
حتى السعوديين لم يتم إخبارهم بهوية حليفتهم، خوفا من أن يتخلوا عن الإمام.
في يناير 1965 شن المصريون هجوما على طول الجبهة.
تضرر الملكيون بشدة وكانوا على وشك الانهيار. بعدها اقترح البريطانيون خطة جرئية: يقصف
الطيران الإسرائيلي القواعد المصرية في صنعاء والحديدة، ويتحدث الملكيون بعد ذلك عن
طائرات تابعة لمرتزقة أوروبيين، أيد عزرا فايتسمان وعناصر سلاح الطيران الفكرة، لكن
رئيس الأركان إسحاق رابين ورئيس الحكومة ليفي أشكول منعوا ذلك.
في أغسطس 1965 تم التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق
النار بين مصر والسعودية، بمشاركة مندوبين يمنيين من الطرفين. في أعقاب ذلك، توقف السعوديون
عن تمويل جيش الإمام، وكذلك المرتزقة. لكن الآخرين حاولوا الاعتراض على سوء المقادير،
لكن في النهاية اعترفوا بحالة توقف الحرب، وفي مايو 1966 توجهوا لإسرائيل، بهدف الإبقاء
على القطار الجوي.
رغم محاولات استئناف التدخل ( التي تضمنت أفكار كإرسال مرتزقة أمريكان
لليمن بدعم إسرائيلين وتدريب جيش الإمام على العمليات التخريبية داخل إيران). ورغم
مباحثات الملك السعودي فيصل، حول إنزال مزيد من الإمدادات في فبراير 1967 فإن الطلعات
الجوية لم تنطلق مجددا.
الانتصار المذهل لإسرائيل في حرب الأيام الستة-
الذي نجم بشكل كبير عن ضعف مصر بعد أزمة اليمن- أدى في تناقض شرق أوسطي خاص إلى تقارب
سعودي- مصري وانسحاب الجيش المصري من اليمن. في 1970 انتهت الحرب بشكل نهائي بانتصار
الثوريين.
حرب اليمن 2015، مثل أختها في الستينيات، تعكس
موازين القوى المعقدة في الشرق الأوسط. في مقابل الوصف الثنائي الإعلامي، والذي يقضي
بأن الحرب في اليمن هي حرب بين الشيعة والسنة، تدعم فيها كل من إيران والسعودية بني
جلدتها، فإن هذه المرة أيضا الصورة الإقليمية معقدة للغاية. فالمسافة بين الشيعة الإثنى
عشرية، الفصيل الحاكم في إيران، وبين الفرع الزيدي اليمني، أصغر قليلا من الهوة الواسعة
بين الشيعة والسنة.
القبائل اليمنية- دائما تتبع فقط أهدافها. علاوة على ذلك فإن جزء
كبير من الجيش اليمني، الموالي للرئيس السابق صالح، يدعم كما هو معروف المتمردين الحوثيين،
الدهشة تتزايد عندما يتضح أن صالح المحسوب هو الآخر على الزيدية، انضم مع الانقلاب
في 1962 لجيش المتآمرين وكان على مدى سنوات أحد أبرز قادته.
حروب اليمن المختلفة تبقى نموذجا لتغير التحالفات
السياسية وتوازن القوى بالشرق الأوسط: فالأصدقاء يتحولون بين عشية وضحاها إلى أعداء،
والمصالح الباردة تمتزج مع الانتماءات القبلية والثأرات القديمة.
المشير عبد الحكيم عامر في غرفة عمليات الحرب بصنعاء |
قوات مصرية تصل اليمن عام 1962 |
معتز بالله محمد
"مصر العربية "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق