على عبدالله صالح الرجل العجوز الذي لن يذهب بعيدا
صنعاء/متابعات:
عندما تحدث علي عبد الله صالح في التلفزيون
اليمني يوم 28 مارس/آذار، لم يبدو كالمعتاد. وبينما ظهر يقدم اقتراحا لاتفاق سلام يمهد
لوقف القصف الذي تقوده المملكة العربية السعودية ضد البلد التي ترأسها لمدة 33 عاما،
فقد أماط صوته اللثام عن توتر غير مألوف لديه، وهو يفرك أنفه وذقنه بعصبية.
في الأيام الخوالي كان «صالح» يعيش حالة
من الغطرسة والعنجهية. لكنه هذه المرة يستجدي جيرانه من دول الخليج العربي، الذين توحدوا
ليقصفوه هو وحلفائه من الحوثيين،ويمد يده إليهم طالبا العون، وعدم غلق الباب في وجهه.
وفي الوقت نفسه، طالب بإجراء انتخابات ووعد أنه إذا توقف قصف الجيران، فإنه لا هو ولا
أي فرد من عائلته سيسعى مجددا إلى السلطة.
أراد «صالح» أن يكون الحوثيون سببا في زرع ما يكفي من الفوضى
لضمان سقوط الرئيس البديل، لكنّ السحر انقلب على الساحر، وجاء بنتائج عكسية.
وتساءل العديد من اليمنيين بصوت عال عما إذا من الممكن الوثوق بكلمته
وأخذها على محمل الجد. وبعد كل ما حدث، فإنه، وبشكل غير مسبوق، بات على استعداد لرفع
يده عن البلاد التي كان يديرها كما لو كانت إقطاعية يمتلكها لمدة 40 عاما، على الرغم
من الإطاحة به من رئاسة الجمهورية بعد مظاهرات حاشدة في عام 2011.
هل كان هذا الأداء
التلفزيوني، بحسب تكنهات كثيرين، مجرد لعبة جديدة من ألاعيبه للبقاء في السلطة، ولو
بشكل غير مباشر، بأن يصير القائد أو المحرك من وراء الكواليس لمن سيجلس على العرش؟
يمتلك السيد «صالح» قدرة أسطورية من التلاعب
والمراوغة. ولقد استطاع خلال العقد الأخير من حكمه،على سبيل المثال، أن يقاتل ضد تنظيم
القاعدة، ولكنه في الوقت ذاته عمل على استيعابهم، كما عمل على تأمين المساعدة الأمريكية
والسعودية، بينما هو يغمز إلى الجهاديين أن وضعهم سيزداد سوءا إذا خسر هو السلطة.
وعندما وافق على مضض على التنحي تحت ضغط دولي متزايد في نوفمبر/تشرين
الثاني عام 2011، احتال بتوقيع صفقة منحته حصانة من الملاحقة القضائية عن الجرائم التي
ارتكبت خلال عهده. واحتفظ بسيطرته على الحزب الذي كان يحكم اليمن تحت قبضته، ومازال
حزبه يمتلك أكبر كتلة في البرلمان هناك.
ومعروف عن «صالح» أنه رجل محظوظ، وقد
ساعده هذا الحظ في جمع مليارات من الدولارات، وما زال يتمتع بنفوذ كبير. لقد عمل «صالح» ونجح في عرقلة الانتقال السياسي في البلاد، مانعا
من أن يصبح هناك حكم أقل ديكتاتورية من حكمه وأكثر استقرارا.
ولكن السحر انقلب على الساحر، وتمخضت خططه في نهاية المطاف عن نتائج عكسية.
فقد ساعد دون قصد في صعود الحوثيين، الذين يطبقون النسخة الزيدية من الشيعة التي هي
فريدة من نوعها إلى حد كبير في شمال اليمن، على الرغم من خوض نظامه سابقا سلسلة من
الحروب معهم لإبقائهم منخفضي الرأس.
ولكن منذ أن استولى الحوثيون على العاصمة اليمينة صنعاء في سبتمبر/أيلول
من عام 2014، بدا أن السيد «صالح» لا يزال يسيطر على
جزء كبير من الجيش، كما فتح خط تعاون مع الحوثيين. وتتكون «اللجان الشعبية»، التي تقوم
بحراسة نقاط التفتيش في صنعاء منذ استيلاء الحوثيين على العاصمة في العام الماضي، من
مزيج متساو من المقاتلين الحوثيين والموالين لـ«صالح». ووقفت وحدات الجيش الموالية
لـ«صالح» إلى جانب مليشيات الحوثي في الغرب والجنوب.
وربما أراد السيد «صالح» أن يكون الحوثيون
سببا في زرع ما يكفي من الفوضى لضمان سقوط الرئيس البديل، «عبد ربه منصور هادي». كما
أنه ربما أراد أن يلتف عليهم ويتخذ من الترتيبات ما يتيح جلوس ابنه، «أحمد علي صالح»، على العرش، والحصول على مباركة جيران اليمن.
ولكن قد يكون هذا متأخرا للغاية. لقد أخطأ السيد «صالح» في الحكم على
مدى جدية المملكة العربية السعودية في النظر إلى تهديد الحوثيين، حيث يعتبرونه جزءا
من المحور الإيراني في المنطقة. وربما فوجىء «صالح» بالموقف
المتشدد من قبل الملك السعودي الجديد الملك «سلمان بن عبد العزيز آل سعود» الذي جلس
على العرش في يناير / كانون الثاني.
*ترجمة الخليج الجديد
نقلا عن مجلة ذي إيكونوميست البريطانية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق